يحتفل معظم العالم الإسلامي بذكرى المولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك من يعتبرها بدعة وينهى الناس حتى عن مجرد تذكرها. ويقال إنها عادة ترسخت منذ أيام صلاح الدين الأيوبي حين رأى شدة احتفال الصليبيين بولادة المسيح فقال: لماذا لا يكون مثلها لنبينا عليه الصلاة والسلام؟ وثمة حديث فيه من المعاني ما يستوجب ذكره في هذه المناسبة، ألا وهو حديث أم زرع الذي يعد من عيون الأدب والبلاغة، علاوة على كونه تحفة تاريخية وتشريحاً اجتماعياً سيكولوجياً لأحاديث النساء الداخلية الخصوصية، ولرأي كل امرأة في زوجها، بل هو مع أحاديث نبوية أخرى كثيرة من ينابيع الفكر الجميلة والراقية. تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إن إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتواثقن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً. فأما الأولى فقالت: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى! أما الثانية ففضلت أن لا تنشر فضائح زوجها، فقالت: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. فيما قالت الثالثة، ويبدو أنها تتحمل زوجاً لا يحتمل: زوجي العشنق (أي الطويل المذموم سيئ الخلق) إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. لكن حظ الجميع ليس كذلك، إذ يبدو أن للرابعة زوجا لا تمل صحبته، فقالت: زوجي كليْل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. ومَن خبر تهامة، يعرف أن النوم على شاطئ البحر الأحمر فيه متعة وارتخاء وهدوء لا يعرفه إلا من ذاقه. ويبدو أن المرأة كانت محظوظة بهذا الرجل. لكن الخامسة عندها زوج بين بين، لذلك تقول: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد. والرجل الذي لا يسأل المرأة كثيراً في أمور المنزل يبقى مريحاً نسبياً. إنه منشغل بأعماله وتجارته، وقد ترك لها حرية التصرف في البيت. أما السادسة فعندها زوج يحمل من الصفات غير المشجعة، ما يجعلنا نرى شيئا من الصراحة التي لا تتجرأ على الخوض فيها نساء كثيرات، لكن عائشة رضي الله عنها تنقل لنا هذه الصور بأمانة. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. أما السابعة فقد حظيت بزوج كارثة: زوجي غيايا (الخيبة) عيايا (ربما عاجز جنسيا)، طباقا (أحمق)، كل داء له داء، شجك أو فكك أو جمع كلا لك. أما الثامنة فوصفت زوجها على نحو معكوس، فهو طيب الرائحة ناعم الملمس: زوجي ألمس مس أرنب، والريح ريح زرنب. أما التاسعة فوصفت زوجها بالمركز الاجتماعي المرموق والكرم: زوجي رفيع العماد (عمود الخيمة) طويل النجاد (السيف) عظيم الرماد (من كثرة الضيافة) قريب البيت من الناد. كذلك وصفت العاشرة زوجها بالكرم فقالت: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح، وإذا سمعن المزهر أيقن أنهن هوالك. وفي النهاية يأتي وصف الحادية عشرة لزوجها وهو بيت القصيد، حيث تصف أم زرع زوجها على هذه الشاكلة في وصف مطول: أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي... عنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتفنح... أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح... بنت أبي زرع طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، ولكني لا أُطلقك. ويبدو أن صفات الرجل الكريم الحليم المثالي كان الناس يتناقلونها يومها في هذه القصة، وكان حظ عائشة هو هذا الرجل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، و"ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".